روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | وصايا الرسول.. للصناع والعمال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > وصايا الرسول.. للصناع والعمال


  وصايا الرسول.. للصناع والعمال
     عدد مرات المشاهدة: 3422        عدد مرات الإرسال: 0

قيّد الإسلام الحركة الصناعية بجملة من الضوابط والآداب التي تضفي على الصنعة بُعدًا أخلاقيًّا، إلى جانب ضمان الجودة والإتقان، من ذلك:

‏ضرورة إتقان الصنعة:

‏إنَّ ما يطلب من الصانع في أي مجال هو فيه أن يعمل بما علّمه الله تعالى عمل إتقان وإحسان بقصد نفع الخلق.

ولا يصح أن يعمل على نيَّة أنه إن لم يعمل ضاع، ولا أن يربط إخلاصه في العمل بمقدار ما يتقاضاه من الأجر، بل على حسب إتقان ما تقتضيه الصنعة.

قال : "إنَّ الله يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"[1]؛ أي يُحكِمه.

المراقبة والمتابعة:

‏إنَّ أفضل الصناعات ما كان على عين صاحبها، يتابع مراحل تصنيعها، ويراعي مكامن الجودة فيها، لتُقدَّم للناس على أحسن ما يكون، أمَّا عندما يترك حبل الصناعة على غاربه.

تكون المادة المصنعة مظنّة للخلل والفساد، وفي القرآن الكريم إشارة لطيفة إلى هذا المعنى، حيث قال الله تعالى في قصة موسى u: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39].

فـ(العَين) في الآية مجاز في المراعاة والمراقبة[2].

‏الالتزام بالمواعيد:

‏الالتزام بالعهد سمة المسلم، لكنّ بعض الصناع كثيرًا ما يعصون الله في المماطلة بالمواعيد، فيرتبطون بعقود مع الناس لا يقدرون على الوفاء بها.

وإنما من باب حجز هذه العقود لصالحهم، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. فلا ينبغي للصانع أن يَعِد الناس بما لا يقدر على وفائه.

 ‏عدم كتمان العيوب:

‏لقد أذن الشارع بأن تصنّع مختلف أنواع الصنعة، لكنه لم يأذن للصانع بأن يكتم عيبًا يعلمه، بل هدّد كاتم العيب بالمقت واللعن، قال رسول الله: "مَنْ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتٍ مِنَ اللَّهِ وَلَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تَلْعَنُهُ"[3].

 ‏عدم الحلف الكاذب:

‏يخطئ كثير من الصناع عندما يتبرعون بحلف الأيمان لحاجة ولغير حاجة؛ من أجل ترويج صناعاتهم، وقد قال رسول الله :

"ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ...، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً)"[4].

وإنما خصّ النبي وقت العصر؛ لأنه الوقت الذي يريد فيه البائع أن ينفق سلعته، فيفتري الكذب ويستهين باسم الله، فيستهين الله به يوم القيامة.

عدم سرقة جهود الناس:

‏من أخطاء الصناع أيضًا أنهم يعصون الله في سرقة جهود الآخرين، وقد أصبحت هذه الحقوق جزءًا من القانون الوضعي، وهو ما يسمى اليوم (براءة الاختراع).

ويندرج تحته أيضًا حقوق التصنيع وحقوق النشر.. وقد سبق الإسلام إلى ذلك، فقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف: 85].

وقال رسول الله : "مَنْ سَبَقَ إلى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ"[5]. وهذا حكم بالبراءة للمخترع، وبالصنعة للصانع والمبتكر.

‏عدم ظلم الأُجراء:

‏من أخطاء الصناع أيضًا ظلم الأجراء، وهو باب يتفنَّن فيه ‏كثير من أرباب الصناعة.. فيدخلون على أموالهم ما ينبغي أن يُردَّ على أجرائهم، فيقعون بالشبهة والحرام.

وقد قال : "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"[6].

وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: "قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتوفي مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ"[7].

وبعد، فإنَّ اهتمام الإسلام بقضية التصنيع شكَّل فيما مضى حافزًا قويًّا لدى المسلمين نحو العمل والإبداع والتطور حتى كان لهم -في مرحلة زمنية معينة- قصب السبق في الميدان الصناعي.

‏على أن تراجع المسلمين صناعيًّا في العصور المتأخرة لا يعني عجزهم وعدم كفاءتهم عن مضارعة الدول الصناعية؛ فالمسلمون يملكون الإمكانات البشرية والفكرية والمهاريَّة اللازمة لبلوغ ذلك.

ولئن كان د‏افع الصناعيين في العالم هو -على الأغلب- ماد‏ي.

فأمامنا فرصة لكي نندفع نحو التصنيع الإبداعي بدافع إضافي، وهو: الدافع الديني؛ إذ مِن نعمة الله علينا أن جعل سعي المؤمن وعمله ونشاطه مدخورًا له عند ربه، يُؤجر عليه في الآخرة إذا ابتغى بذلك نفع نفسه وعياله ومجتمعه.

‏وآخر د‏عوانا أن الحمد لله رب العالمين.

[1] الطبراني في الكبير.

[2] التحرير والتنوير 9/43

[3] رواه ابن ماجه.

[4] رواه البخاري.

[5] رواه أبو داود.

[6] رواه ابن ماجه.

[7] رواه البخاري.

الكاتب: أنس محمد قصار

المصدر: مجلة (منار الإسلام) - عدد فبراير 2011م